صديقي العزيز
لقد نجحت في نهاية هذا الفصل الدراسي، كم كان التفكير في هذا متعباً، أنت تعرف أنني لا أنام كثيراً، ثلاث ساعات في الأيام التي أكون فيها محظوظة، كنتُ أتمنى أن أحظى بساعات نوم أطول، لكنني اليوم ومع كل هذه الكوابيس التي تحشد نفسها في مناماتي، بات الأمر صعباً للغاية، لست سعيدة أبداً، لا اعرف كيف يمكنني شرح ذلك بطريقة بعيدة عن التزويق، لقد حلمت أنني أقف في بهو فندق واسع، وأن احدى واجهات جدرانه الداخلية كانت زجاجية، كنتُ أشاهد النهر لأول مرة، هذه المرة لا في القصائد التي تجدها عاطفية بصورة مبالغة، ولا في احدى تلك اللوحات التي تظن أنها السبب في كآبتي، كان كل شيء رائعاً في ذلك المشهد، الا أنني كنت وحيدة، لم يزعجني هذا في أول الأمر، إلا أن يداي سرعان ما تقدمتا في العمر، كان كل شيء فيّ يبدو يانعاً كما لو أنني شجرة في الربيع فيما عدا يداي، كنت قد خسرت اظافري لسبب ما. ومع مرور الوقت بدأتا بالنمو على نحو غريب، وبينما تغيب الشمس بملل لا مثيل له، كنتُ أستطيع أن أرى نفسي في الواجهة الزجاجية كما لو أنها مرآة، قليل من الظل الشبحي اضفى على ذلك المشهد احساسُ إمرءٍ يقف في منتصف الطريق. عدتُ أدراجي للوراء، إلا أن شيئاً لم يتغير ما زلت عالقةً في ستارة تشف عن انسانٍ الا انها لا تؤكد ذلك. وعلى مهل بدأت أقدر الرؤية أكثر، كلما انعكست أنوار الفندق الحداثي على النافذة الزجاجية الضخمة، لكنني لم أر شيئاً سوى يداي. كم حلمت في تلك اللحظة لو أنني أحمل كل الهواء بيني وبين من يمسك بهذه اليد المتعطشة لشيء لم أستطع يوماً منحها إياه.
صديقي العزيز
في المرة الماضية عندما عدت الى البيت، كان موسم قطاف الليمون، الا أنني وكالعادة لم أشارك عائلتي هذه المناسبة، لقد تبين أنني ومع مرور الوقت أفقد انسجامي معهم، ان هذه الغرابة ليست شيئاً اريده، لذلك ذهبت الي المزرعة، كان أبي يرتدي قميصاً اهديته إياه في العيد الماضي، أما أمي فلقد ارتدت قفازات غريبة، حاولت الاقتراب منهما لكنني كلما فعلت، تداعت شجرة الليمون، وسقطت ثمارها نحوي، كنت أقفز كي لا تتسبب في اسقاطي، لكنني وفي نهاية الأمر، سمعت ابي يقول ان عليّ العودة للبيت وأخذ قسط من الراحة، كانا يحدقان فيّ على نحو مريب، بدا ابي متعاطفاً، أما أمي فلم تكن إلا شخصاً قارب على الاعتراف الكامل بهزيمته.
صديقي العزيز:
عندما بكيتُ آخر مرة، احتفظت بالمناديل التي جففتُ بها دموعي، بدا هذا المشهد هزلياً، أحسستُ حينها أنني أمثل على نفسي نوعاً من التراجيديا الرديئة وأنني اذ أؤدي دوراً في غاية البساطة، لم اصدقه فلم اتقنه. وشعرت أيضاً أنني أحاول جعل آلامي الصغيرة لتبدو كما لو أنها اسطورة جديرة بأن يراقبها أحد. لكن الأمر في الحقيقة لم يتجاوز فتاة مدللة، تستميل هذه الالتفاتات الشعرية لتصدق أنها عاشت حياة كاملة. ألا تضحكك الطريقة التي أحيا بها الحياة؟ ألا أستحق الشفقة؟ أرسلت لك مع هذه الرسالة، دفتراً صغيراً لتكتب فيه بعضاً من الأشياء التي تشاهدها، إن صادفكَ نهر او شجرة ليمون ذات مرة، سأشعر بالتضامن.
صديقي العزيز
لم يعد هنالك أحد لأقلق بشأنه، لقد أخذ الآخرون مني هذا الدور عنوة، إنني الشخص الذي يثير المشكلات في الوقت الحاضر، إحدى صديقاتي وجدت صفحات من مذكراتي بجانب سريرها بينما كنت اقضى الليل معها، كنتُ قد لفقت بعض الحكايات عن الوحدة ولقد تسبب هذا في ايلامها جداً، لم أكن اقصد ما فهَمته، أو ربما أنا لم أفهم حتى اللحظة فيما لو كنت أعني كل ما قلته في تلك الأوراق، أتذكر انني رسمت فيها مشهداً في الخريف حيث تقف امرأة بملامح عادية، تحت شجرة صغيرة وتجمع كل ورقة صفراء، وفيما تهز الريح الاغصان الناتئة، كانت الاوراق تكتسب قوة فرار أكبر، إلا ان ركض الفتاة اصبح مضاعفاً مع مرور الوقت. اختتمتُ المشهد، بشجرة عارية تماماً، والشابة تجلس تحتها دون أن تتمكن من الإمساك بأي ورقة، ومع ذلك لم تشعر بالخفة ابداً.
صديقي العزيز:
“اذا كنت مهتما .. فأنا أريد العودة .”
أمل
بوشر
٢٥/٥/٢٠١٧
*العبارة الأخيرة مقتبسة.
25 ماي، 2017 at 5:48 ص
رائعة، كالمعتاد
إعجابLiked by 1 person
3 جوان، 2017 at 4:34 ص
جميل جداً
إعجابإعجاب
31 جويلية، 2017 at 1:39 ص
أحببت كلماتك جداً، و أنا أعنيها حقاً.
إعجابإعجاب