بحث

ضباب

"كان هكتور في قاع الموجة، الموجة التي كانت بنفسها في قاع المحيط، المحيط الذي كان بنفسه في قاع الكون ، ثمة أمر ما يجعله يشعر بأنه صغير"

شهر

ديسمبر 2017

من وحي بداية العام:

tumblr_oj7rz2X4vB1qccpz7o1_1280

-١-

في الصف الأخير من الحانة، حيث تسبقك أمواج الناس المتدافعة، تدخن سيجارتك الأولى الكاملة، وتفكر كم عليك أن تقضي من الوقت لكي تصبح  واحداً منهم، أولئك الذين رفضوا  أن يختاروا الزاوية، وتركوها لك، أنت المبتدئ في حل قضاياك بهذه الطريقة، أنت الذي تسعل كثيراً من دخان التبغ الرديء، وتتذكر قصيدة سيجارة لبول شاؤول كما لو أنك تستطيع أن تمنح كل هذا الضياع بعداً أكثر جموحاً وفرادة، في الصف الأخير تشغلك الأفكار الأولى، الحب الذي لم تستطع الحصول عليه، مهدك الصغير الذي ظللت تدفعه بكل قوتك، والذي كان خاليا طوال الوقت،  تلويحاتك المعطلة في وسط الحشد الكبير هذا اذ لا تنتظر أحداً، وعينك التي لا تعدك بأن يقرأها أحد. عدل من جلستك قليلاً، لا تكترث فالفودكا هكذا تسكب في قعر الكأس وتكفي، يمكنها أن تدفئك حسب الرواية الروسية التي قرأتها قبل سنوات، عدل من كفك الممسكة بالكأس، ولا داعي لأن تمرر أصابعك على حدوده لكي تشبه آخرين عرفتهم من بعيد، لا ترفع رأسك اليوم، لا بأس بأن تكون ساخطاً ويائساً ومستعداً لأن تدهسك سيارة في الشارع المقابل، إنها ليست بداية أي شيء، ليس بداية شيء هام على الإطلاق.

-٢-

تسأله هل يناسبني حذاء الكعب هذا؟ لم أختره عالياً هذه المرة لأنني حفظت طولك عن ظهر قلب ولا أريد أن أصبح أطول منك، محادثة عادية، قد تتكرر في كل البيوت هذه اللحظات، البيوت التي تحتمل حفلات بداية العام، إلا أن هذه الكلمات الخام تملأ وحشةً تطرق كل مساحات هذا الهواء، يقول لها، لا أعرف شيئاً عن الأحذية. لا يقول إنه جميل ولا يقول إنه ليس كذلك، لا ينظر إليه، تتورد وجنتيها كما لو أنه قال شيئاً ويمضيان الى الخارج كل واحد منهما يحمل جرحه في عينيه.

-٣-

 تفتح رسالةً كتبتها لنفسك قبل عام، طقس صبياني تخجل منه إلا أن محدودية الحياة مسوغٌ مقبول لمثل هذه التصرفات، تشعر بعمودك الفقري وهو يشدك للجلوس معتدلاً على الصوفا المفضلة، ولا تحس بشيء إزاء هذه الورقة، تقرأ السطر الأول: “لابد أن يكون عاماً مختلفاً…” ثم تقرر ألا تواصل القراءة، ذلك أن هذه الساعة لا تحتمل كل هذه التراجيديا، تقلب هاتفك على كل حساباتك، الجميع يقول أشياء تراجيدية لكن ذلك لا يمكن أن يكون عزاءً، تفتح النافذة وتنام ملتحفاً بنسيم هذه الليلة مطمئناً وراضياً وفرحاً. عروقك تحب العودة الى اللاشيء.

-٤-

أخي الأصغر لا يعرف سانتا كروز، ولا خدعة السن المخبئة تحت الوسادة، ولا أن الخيول تطير، يعرف أن أبي كان يعمل خيالاً، وسقط ذات يوم وأصيب بجروح بالغة، أخي يعرف أن الخيول ليست أمينة ولا أليفة. ستمر عليه هذه الليلة مثل كل الأيام السابقة، وغداً ستعاقبه المعلمة اذا لم يكتب التاريخ في صفحة الدرس بدقة، قد تغفر له اذا كانت ضحوكة واذا استدعت مثال من يفطر في اليوم الأول بعد رمضان، والتردد الذي يصاحب الصائم قبل كل لقمة، لكنه لن يفهم من هذا شيئاً، سيعود الى البيت ليسأل أمي: كم تبقى على العطلة؟

أمل

٣١/١٢/٢٠١٧

بوشر.

 

إلى خارج المكتبة. 

تنويعات عديدة، تحّملها الطريق من بوشر إلى الخوض منذ ٧ أشهر، لم أغب عن عملي في المكتبة ولا ليوم واحد، وفي الأيام السيئة، كنت أكتفي بأغنية ذات إيقاع سريع، لكي أفكر في تناغم جسدي معها ليس إلا، نصف ساعة أقطعها يومياً، مروراً بطريق المطار إلى خارج مسقط، الذي لا أكف عن التطلع إليه دون أن نتآلف أنا والإشارة الزرقاء “مطار مسقط الدولي.”. مرة وللصدفة المربكة، أوقفني شرطي هناك تماماً قبل المنعطف بمسافة لا تزيد عن ٤٠٠ متر، قال لي أن النظام لا يظهر أن صاحبة السيارة تمتلك رخصة قيادة، أستلُ رخصتي الكويتية وأريها له، ينصحني أن أستبدلها بوثيقة محلية وأمضي. وفي المكتبة، أبدأ بترتيب رف الشعر العربي، ولا أحب الألوان الصاخبة في قسم الطفل، وعادة ما أستوي جالسة على الأرض، حتى اذا ما جاء أحدٌ ابتسم لي، أو نظر إليّ بغرابة مستنكرة هذه الهيئة غير الرسمية، وتحت تأثير مضادات الإكتئاب وتركها أستطيع أن أضع توقيتاً لنشاطي في المكتبة، لحيويتي المفرطة أحياناً، والنكوص الذي يدفعني للجلوس دون النطق بكلمة واحدة أحياناً أخرى. قلت لشاب ذات مرة كان قد أثار إنتباهي على تويتر، بالمناسبة هذه هي الترجمة الأفضل لرواية البؤساء، لأنني قرأت تغريدة له يسأل فيها عن هذا الأمر، إبتسم لي وقال: صوتك جميل للغاية. هذا الموقف تحديداً أشبه بمقطع سيقتبس كثيراً لو كان في رواية عاطفية. الآن أستعد لترك عملي في المكتبة، أفكر في الوقت الطويل الذي سأرتاح فيه من عناء العمل، وفي دخولي للمكتبة دون أن أعرف تماماً مكان الكتب، وكل عنوان هناك، والصور المرئية لترتيبها كلما سأل أحدهم عن كتاب وإشتغل ذهني في تمريرها بسرعة. #يتبع_يمكن

نافذة لا أنتبه لها. 

مذعورة من هذا المطر الذي يساقط على كتلٍ من الإسمنت في الخارج، أقفل باب غرفتي بالمفتاح، وأديره في ثقب الباب مرتين، لا لشيء سوى أن أضمن مسافةً من الزمن بيني والعالم، وقتاً يكفي لكي يغلي ماء لإعداد قهوة ساخنة، وعندما أستلقي على الفراش، يبهجني ذلك الوخز الخفيف، الذي يحدثه تماس جلديّ البارد بغطاءٍ دافئ يتسع لجسدي كله. وإذ أبقي وجهي معلقاً في الخارج، كي لا أكتشف في تلك العتمة أنني أعاني من الربو فعلاً وأن لي حياة وأمراضاً يمكن تسميتها، وأشخاصاً وبحوثاً يمكن أن تمرر لي أدوية صالحة واستشارات طبية لا تتوقف. بماذا يفكر وجهي إذن؟ أحبك، ولكنني لم أعد أؤمن بالحب، أفتقد شفتيك ولكن السماء في الخارج ترعد أكثر من ذي قبل، لا أريدك لكن الغرفة يضيئها مصباح صغير، أضعه على صناديق تحوي قميصاً مخططاً منك وكتاباً لحنة أرندت موقعاً بختم عملك، ودفتراً صغيراً لخواطر حالمة ومبتذلة. أريد الآن أن أقف في منتصف الطريق، وأن أنظر الى كل من عرفتهم، وإليك على وجه التحديد، وأن تمسني شيءٌ من حمى لا أفهم لم ستدفعني لكل تلك البلادة التي سأبديها وأنا أقف هناك، لا وقفة فيها شيء من الكبرياء، ولا أخرى محطمة كالغبار، هي عاديةٌ بحيث لا ترى، وأن أترككم جميعاً كما فعلت “المرأة العسراء” بعد ليلة حميمة في فندق راقٍ. أريد أن ابدد صوتي الذي يرجف كلما قرأ الشعر في تهجئة كل هذه اللافتات الي تضيء حتى عندما تقفل المحلات في هذا الوقت المتأخر. مقهى دقائق، فيلا روز، مطعم الضيعة اللبنانية، إيت سمارت، ومراد لبيع أدوات الشيشة، أروح وأجيء دون أن أفرط في قراءتها جميعاً ودون أن يلفت انتباهي نافذة الغرفة التي كنت أرقب فيها كل مرة عودتك.

إحتمالات باردة.

الزرقة الحارة في دمي، والتي وخزتني دائماً لتذكرني بأنني معزولة عن كل ما هو أرضي، أنني على نحو ما، معرضة لكل هذا الغيم الذي سيحجب عني مشاوير الظهيرة التي يسير فيها الآخرون بالفطرة. أنني كي أنطق أكثر الكلمات بدائية أتخبط في التردد، من اليابسة الى السماء الخفيضة. وأن الشعر يعجز أن يكون صوتي، وأنني كي ما أتحدث لا أقول شيئاً عدا أنني بحاجة للحب.

هذا الشتاء الذي أقضيه في لحظة لا تشرق فيها المسافات، يدفعني للركض بدلاً من الاستسلام لوخز حمى البرد، فأبرد أكثر، أبردَ من وعد رجل الثلج الذي تتهيأ له طفلةٌ تستعد لحفلة عيد الميلاد في قرية بعيدة.

أظافري الضاربة الى البياض، تتكسرُ في حفلة المقاومة، فكيف أثبت يدي في النتوء البارز من هذا الجبل الصخري، كيف أصعد الى زرقتي دون كل هذا العناء، كيف تعود النطفة الأولى التي تخفق في صدري الى مكانها الأول، الى مرابع طفولتها الغضة، الى شتائها الذي يحتمل فرصاً عديدة للدفء.

لا أحد يحبُ الكائنات الباردة، ممسوسٌ بالنار هذا الذي سيقبلني حتى انقضاء هذا الفصل الى الأبد، لا أحد سيضع باطن كفه على وجنة صادفت كل هذا الجفاف في طريقها لتكون حديقة. لا أحد هنا، وحدي وهذا البرد، لم نعد ننتظر شيئاً.

أمل

١١/١٢/٢٠١٧

الخوض

 

متابعة القراءة “إحتمالات باردة.”

أنشئ موقعاً أو مدونة مجانية على ووردبريس.كوم.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: