-١-
في الصف الأخير من الحانة، حيث تسبقك أمواج الناس المتدافعة، تدخن سيجارتك الأولى الكاملة، وتفكر كم عليك أن تقضي من الوقت لكي تصبح واحداً منهم، أولئك الذين رفضوا أن يختاروا الزاوية، وتركوها لك، أنت المبتدئ في حل قضاياك بهذه الطريقة، أنت الذي تسعل كثيراً من دخان التبغ الرديء، وتتذكر قصيدة سيجارة لبول شاؤول كما لو أنك تستطيع أن تمنح كل هذا الضياع بعداً أكثر جموحاً وفرادة، في الصف الأخير تشغلك الأفكار الأولى، الحب الذي لم تستطع الحصول عليه، مهدك الصغير الذي ظللت تدفعه بكل قوتك، والذي كان خاليا طوال الوقت، تلويحاتك المعطلة في وسط الحشد الكبير هذا اذ لا تنتظر أحداً، وعينك التي لا تعدك بأن يقرأها أحد. عدل من جلستك قليلاً، لا تكترث فالفودكا هكذا تسكب في قعر الكأس وتكفي، يمكنها أن تدفئك حسب الرواية الروسية التي قرأتها قبل سنوات، عدل من كفك الممسكة بالكأس، ولا داعي لأن تمرر أصابعك على حدوده لكي تشبه آخرين عرفتهم من بعيد، لا ترفع رأسك اليوم، لا بأس بأن تكون ساخطاً ويائساً ومستعداً لأن تدهسك سيارة في الشارع المقابل، إنها ليست بداية أي شيء، ليس بداية شيء هام على الإطلاق.
-٢-
تسأله هل يناسبني حذاء الكعب هذا؟ لم أختره عالياً هذه المرة لأنني حفظت طولك عن ظهر قلب ولا أريد أن أصبح أطول منك، محادثة عادية، قد تتكرر في كل البيوت هذه اللحظات، البيوت التي تحتمل حفلات بداية العام، إلا أن هذه الكلمات الخام تملأ وحشةً تطرق كل مساحات هذا الهواء، يقول لها، لا أعرف شيئاً عن الأحذية. لا يقول إنه جميل ولا يقول إنه ليس كذلك، لا ينظر إليه، تتورد وجنتيها كما لو أنه قال شيئاً ويمضيان الى الخارج كل واحد منهما يحمل جرحه في عينيه.
-٣-
تفتح رسالةً كتبتها لنفسك قبل عام، طقس صبياني تخجل منه إلا أن محدودية الحياة مسوغٌ مقبول لمثل هذه التصرفات، تشعر بعمودك الفقري وهو يشدك للجلوس معتدلاً على الصوفا المفضلة، ولا تحس بشيء إزاء هذه الورقة، تقرأ السطر الأول: “لابد أن يكون عاماً مختلفاً…” ثم تقرر ألا تواصل القراءة، ذلك أن هذه الساعة لا تحتمل كل هذه التراجيديا، تقلب هاتفك على كل حساباتك، الجميع يقول أشياء تراجيدية لكن ذلك لا يمكن أن يكون عزاءً، تفتح النافذة وتنام ملتحفاً بنسيم هذه الليلة مطمئناً وراضياً وفرحاً. عروقك تحب العودة الى اللاشيء.
-٤-
أخي الأصغر لا يعرف سانتا كروز، ولا خدعة السن المخبئة تحت الوسادة، ولا أن الخيول تطير، يعرف أن أبي كان يعمل خيالاً، وسقط ذات يوم وأصيب بجروح بالغة، أخي يعرف أن الخيول ليست أمينة ولا أليفة. ستمر عليه هذه الليلة مثل كل الأيام السابقة، وغداً ستعاقبه المعلمة اذا لم يكتب التاريخ في صفحة الدرس بدقة، قد تغفر له اذا كانت ضحوكة واذا استدعت مثال من يفطر في اليوم الأول بعد رمضان، والتردد الذي يصاحب الصائم قبل كل لقمة، لكنه لن يفهم من هذا شيئاً، سيعود الى البيت ليسأل أمي: كم تبقى على العطلة؟
أمل
٣١/١٢/٢٠١٧
بوشر.
أحدث التعليقات