منذ فترة من الزمن، ونحن في حالة لا يمكن وصفها من الخدر، إن غياب الحالة الثقافية في عُمان، وانحسار الأنشطة المرتبطة بالقراءة والكتابة بمؤسسات الدولة أو ما ينبثق عنها، والركود المصاحب لغياب الفضاء الذي يصبح فيه الحوار والتفكير جزءاً لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية في مدن اليوم. أنتج حالة من الخواء واللامعنى.
ولا نود من خلال هذه المقدمة أن يأخذ عملنا هذا اتجاها ثورياً أو محاولة للخروج عن الطابع الشخصي لما سنقوم به، ولكننا “كأفراد” في مسقط، نود أن لا يمر الزمن دون أن نسجل به حضوراً حسياً وإن كان متواضعاً، ذلك أن أحد أهداف السلطة كانت ومازالت هي مسخنا وتحويلنا إلى جمهور غير متمايز يقرأ ويحب ويعترض ويتفق كما تريد هي لا كما يتفق له أن يكون. إن الحاضر هنا هو لحظة مفرغة تماماً من أي حمولة، عدا نوع من العدمية لا نفهم نحن كنجيل مالذي أنتجها، ففي الوقت الذي يجد في الشباب في أعمارنا نفسهم في أوربا مثلاً داخل سياق هذه العدمية نتيجة لفشل الحداثة منذ الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، إلا أننا لا نجد مقاربة واضحة لهذا الواقع الذي نجد أنفسنا مضطرين للتعامل معه بل وتمثيله في كثير من الأحيان. ربما يكون السبب هو طبيعة المجتمعات الريعية وما يكون عليه الإنسان في هذا النوع من المجتمعات التي ترعى الاستبداد وقتل الآفاق.
سنقرأ هنا يومياً مجموعات شعرية – “قصيدة النثر” تحديداً، ونأسف لضرورة الإشارة إلى كونها “قصيدة نثر” ذلك لأن هذا النوع من الكتابة مرفوض بطبيعة الحال في وسط ثقافي تقليدي مازال مهموماً بالأجناس الأدبية في الوقت الذي يقدم فيه العالم نماذج من الكتابة الأدبية الحرة. أذكر في حوار دار بين إحدانا وشاعرة عمانية، حول كتابتها لقصيدة النثر، قالت أنا أكتب الشعر والنثر شكل آخر من الكتابة، مشيرة إلى أن قصيدة النثر ليست شعراً. وحتى قصيدة النثر التي تشارك في المسابقات الأدبية في السلطنة، إما تتأهل للسباق لاستخدامها لإثبات انفتاح النقاد على هذه الكتابة، لا لشعريتها! أو استخدامها للمقارنة مع القصيدة الكلاسيكية. سنوثق يومياً وبالزمن دخولنا في هذه الرحلة متأملين أن يكون هذا السفر علامة على وجودنا كأفراد هنا وكمحبين للشعر والجمال والحياة.
ولأن لغة المجاز هي العدو الأول لهذه السلطة، التي أوهمتنا أن العالم صغير ومحدود، وهي وحدها من منحتنا ذراعاً للدعاء للرب. لأن الكثيرين هنا لا يعرفون الاستعارة حتى بعد عشرات السنين من كتابة سكارميتا لساعي بريد بابلو نيرودا، ولأن فعل التغيير المباشر حتى بالقراءة في ما يتعلق بالفكر والسياسة أصبح مؤرقاً لهذه السلطة نفسها، فنحن هنا لا نفعل غير التورية على هذا الصراخ عبر لغة نحسب أنهم لن يفهموها وهكذا وعلى الرغم من هروبنا إلا أن لا دليل واحد يستطيع إدانتنا.
أخيراً كتب الكاتب العماني عبدالله حبيب في كتابه مفاتيح ضئيلة سماوات واسعة: ” التاريخ ليس ألكسندر العظيم، أو بسمارك، أو نابليون بونابارت، أو الحرب العالمية الأولى أو الثانية، ومن وما شابه فحسب، بل إن التاريخ أيضاً هو التراكم الكمي والنوعي العنيد لل” الأشياء الصغيرة” “والهمسات المتواصلة”.
ملاحظات:
- سنحدث هذه التدوينة باستمرار للإشارة لكل المجموعات الشعرية التي سنقرأها.
- نحن لا نقدم قراءة نقدية في الأعمال التي سنقرأها بل نقدم انطباعنا عنها ولا ندعي فهمنا لعوالم الشعر لكننا نحسه ونتبناه صوتنا الشفيف في العالم.
…………….
الحلقة الأولى:
- الديوان الأول: ما أنام من أجله اليوم – منى كريم- دار نوفا بلس. ١٠٠ ص
- منى كريم شاعرة بدون كويتية – تعيش في نيويورك. ولديها ثلاث مجموعات شعرية.
- التاريخ: ١١/٣/ ٢٠١٧ – يوم الأحد – الخوض السادسة – شقة عهود.
بدت منى كريم في مجموعتها هذه صادمة بالنسبة لنا، إذ أن قصيدة النثر لم تتخلص في المنطقة حسب ملاحظتنا على الأقل من نزوعها نحو التجريد، ونحو التجربة داخل اللغة، ومحاولة التلاقي مع قصيدة التفعيلة التي قادها محمود درويش بامتياز، منى لم تكن متكلفة، بل إنها التقطت اليومي والأشياء الصغيرة البسيطة لتشكل مفردات قصيدتها، وفي مجموعة من قصائدها لمسنا ذلك الوجع الخاص بقضية البدون ، دون أن نشعر بأن القصائد مؤدلجة أو مكتوبة لتأخذ دور التمثيل ليس إلا لهذه القضية الإنسانية الكبيرة التي يعاني منها مواطنو الكويت الذين سلبت حقوقهم. وهنا مقتطفات من القصائد:
أمل السعيدي وعهود الأشخري ….
إذا وجدت أنك تنتمي إلى هذه الفكرة، راسلنا، أو عبر عن تضامنك عبر مشاركة رابط التدوينة.
…
29 أفريل، 2019 at 8:41 ص
جميل جدا، منذ زمن وأنا أبحث عن من يشاركني انطباعاته وقراته الشعرية، أمل وعهود يمنحاني هذه الفرصة، شكرا على وجودكما
إعجابإعجاب