متابعة القراءة “الأدب ومشكلات العالم العربي الأخيرة – قراءة انطباعية”
كان من العادة أن يذبح الناس، شاةً أو خروفاً، عند الانتقال لبيت جديد، لكننا أجلنا ذلك لحين موعد ولادة أخي، العقيقة ودخول البيت بالمرة، هكذا قال أبي، لأولئك الذين ظلوا يطالبونه ب “عزومة” البيت الجديد. وفعلاً جاء أخي، الولد بعد ثلاث فتيات، كانت رائحة السمن العربي نفاثة في البيت، وجدتي تخبز يومياً في بيتها، ثم تجيء لأمي بالخبز وعسل السمر. كان ذلك في شهر نوفمبر، والأبواب مشرعة طوال النهار، فلا حاجة للمكيف، وكان صبغ البيت داكناً، فبدا أن الشمس التي تدخل للبيت، تحاول دون جدوى أن تفعل شيئاً ما. متابعة القراءة “البيت ( 2 )”
لطالما هددتُ أمي أنني لن أجلس في البيت يوماً واحداً بعد أن أبلغ ١٨، وأنني عندما سأدخل الجامعة لن أعود مهما حدث للبيت. لكنني الآن هنا عمري ٢٦ عاماً، في البيت، ليس تماماً في غرفتي القديمة، لأن ترتيب الغرف تغير مراراً منذ ذلك الحين، هاربة من عملي، ومن كل أحد أعرفه، إلى سقيفة منزلنا، وكل شيء مرتبط بها.
لا أحس أنني قادر على محبة أحد في هذه اللحظة، اليوم تمكنت من إنهاء إجراءات القرض الشخصي من المصرف الذي أتعامل معه، وأشعر أنني وبعد تسديد ديوني لن يكون لأحد حصةٌ في قلبي بعد الآن، فلا شيء يشعرني بالذنب تجاه أحد، لا شيء سيكون معلقاً بما يظنون أنهم منحوني إياه، كل شيء حسم منذ زمن بعيد. ولن يعود لأحد أي فضل علي، يا لهذه الجملة بالغة الاعتيادية، يا لهذه السخافة التي أخوض فيها، لكنني من لحم دافئ ولم أعد أحتمل كل هذه الحرارة، كل هذا الغليان، كل هذه المحاولات. لديّ عدد لا بأس به من الأصدقاء، لكنني بتُ أمقتهم، تثيرني على نحو سيء كل تلك المحاولات للابتعاد عن كل ما هو جمعي، يشترون الأطعمة العضوية، يتناولون وجباتهم في مطاعم غير معروفة، يحبون الحيوانات ويقرؤون عنها كثيراً، يربون قططاً في غالب الأحيان أو يحلمون بذلك، يناهضون التغييرات السياسية، لأن المراهقين وحدهم الثوار، والمسألة ليست أنهم لا يتزوجون، بل تلك الطريقة التي ينظرون بها إلى المتزوجين، هنالك نوع من الكياسة التي تزعجني فيهم، إن أي شيء يشبه التجربة الدينية قد يتسبب في إرباكهم، لكنهم وعلى نحو ما، ينتمون لتنظيم من هذا النوع. أحب ببساطة التعبير عن عدميتي، ولا أجد حرجاً في أن أكون عادياً للدرجة التي تسحقني فيها أغنية رائجة، تعود بي إلى لحظات طفولية مر عليها وقت طويل. بصراحة لستُ مستعداً لأن أحارب لكي أبدو نتاجُ تطور اجتماعي. أحبُ البيت والعائلة، لكنني لن أنتمي لواحدة يوماً، وليس لدي مواقف من أشياء كثيرة، ولا أعدُ “انفصام الشخصية الحدية” مسوغاً لأي شيء. ويضايقني بشدة الدكتور جيري الذي يضع في عيادته النفسية لوحة كابوسية لإحدى مريضاته، يسخر بأنه لم يفهم منها شيئاً. ولستُ ممن قد يشاهد أفلاماً عن هوس الشراء أو التعلق بالممتلكات، ولن أغلق الهاتف في وجه أحد، وهشاشتي هذه لا ينبغي أن تكون مصدراً للحرج أو الإغواء، نسيتُ أن أقول إنني أكره السفر بحقيبة ظهر، أو لقاء الغرباء في الحانات، لإمضاء ليلة واحدة، وأكره الغرف المشتركة، والفنادق الرخيصة، لكن لا بأس برحلات الطيران منخفضة الثمن.
منذ يوم العمل الأول في مكتبي الجديد، وزملائي الذين سبقوني لهذه الوظيفة بما لا يقل عن عشرة أعوام يشعرون أنني غض، لا بأس في هذا، قالوا إن الفتيات يترددن أكثر على القسم بعد أن نقلت مكتبي إليه، واعتبرت ذلك نوعاً من الإطراء الذي يدعو للتقيؤ، لكنني ضحكت حتى لا يبدو ذلك غريباً، أعني إنكاري لذلك الزهو الذي قد يعني أن أحداً مهتمٌ لأمري، ما أحلاني وأنا أجادلُ في ذلك، وكان يرافق هذا بالطبع شعورٌ بأنهم سيطلبون مني رد هذا الجميل بطريقة أكثر إمعاناً في القرف، لا بأس سأفكر في حينه، لا أعتبر نفسي جذاباً، ولم يكن مهماً أبداً أن أهتم لذلك، لكنني وما إن أقع في غرام فتاة، حتى أبدو طفلاً صغيراً يحاول بكل طريقة ممكنة أن يحوز على إعجاب الكبار، لذلك أتصرف بطيش، ولا أجد ذلك مختلفاً، الجميع يتصرفون هكذا في مواقف مماثلة، أو هذا ما أحسه. يقول إحدى الزملاء أن زوجته حامل، وأن النساء يصبحن عديمات الأهمية عندما يحملن، وأن هذا الحمل تحديداً قد يودي بحياة زوجته أو بحياته، لكنني لا أؤيد شيئاً بهذه السفالة، لدي جلد حساس، يحددُ متى ينبغي عليه أن يذعن رغم عدم اتفاقه ومتى يفر هارباً. إشعارات عديدة على هاتفي النقال، أخي أسمى طفلته “قيم” يا إلهي، لماذا هذا السعار في قطبيه المتنافرين، أصدقائي وعائلتي.
بالعودة للحديث عني، أنا لا أعبد المتعة، ليست هذه الأخيرة هي كل شيء، دمي فوار، وأنا كئيب، كآبتي حقيقية، لذلك هنالك أشياء كثيرة مع المتعة في هذا العالم، هي واحدة من أشياء كثيرة رغماً عن أولاد الكلب. بالمناسبة أنا لا أسب أبداً ،مع أنني أجد الجاذبية فيمن يشتمون، كنتُ أعتقد إلى وقت قريب أن الشتيمة هي تمرد من الداخل، مواجهة مباشرة مع سلطة ما، تفرض علينا نوعاً من اللياقة المصطنعة، والتي لا يهمها أن الواقع رديء، أكثر من الكلام. أحب الكلمة الحلوة، لكن قولها في الوقت الذي يستطيع فيه الإنسان أن يقول شيئاً يدعو للضحك عوضاً عنها، قد يسبب لي آلاماً في المعدة. وليس لدي حساب في لينكد إن، ولستُ مهووساً بالترجمة أو ما شابه ذلك. لا أعرف استخدام ميزات لابتوبي الماك من شركة أبل لكنني أبداً أبداً لم أضع شريطاً لاصقاً على الكاميرا الأمامية في جهازي، إن هذا مغثٍ جداً.
يتبع
أحدث التعليقات