بحث

ضباب

"كان هكتور في قاع الموجة، الموجة التي كانت بنفسها في قاع المحيط، المحيط الذي كان بنفسه في قاع الكون ، ثمة أمر ما يجعله يشعر بأنه صغير"

شهر

أكتوبر 2018

الأدب ومشكلات العالم العربي الأخيرة – قراءة انطباعية

 
 
جمعتني مع شباب الولاية التي نشأت فيها ليلة للاحتفال بأهم “إنجازاتهم” بمناسبة يوم الشباب العماني، وكنتُ قد جلست على نفس الطاولة مع شابة تمكنت من صناعة جهاز يمكن ركاب الطائرة من التواصل مع المقصورة الرئيسية. لستُ من النوع الذي يجيد الحديث مع أحد لا يعرف منطلقاته، أعني أنني أفضل معرفتها لأعرف أي لغة سأستخدم لمخاطبته، لذلك سألتها ولأنني سمعت كثيراً أنها تحب القراءة، عن كتبها المفضلة، قالت إنها تقرأ بالإنجليزية، وأنها قبل نحو سنتين كانت تقرأ الروايات، لكنها تجاوزت هذه المرحلة “المراهقة” وصارت تقرأ في كتب الإدارة وتنمية الذات، لم أستمر في الحديث عن نوع الروايات التي قرأتها والتي تجعلها تفضل أو تعتقد أن كتب تنمية الذات في مرحلة أفضل من الروايات، واكتفيت بالإيماء. شخصياً سئمتُ من الحديث عن قيمة الأدب على الأقل بشكل مجرد، وصرتُ أفهم أن الدوافع التي ينزع بها البعض لاختلاق هذا الصراع بين الأدب والعلوم الإنسانية الأخرى أو العلوم الطبيعية، ينطلق في واقع الأمر من موقف مأزوم تجاه العالم والحياة، ومن لغة تتبنى منطقاً في وجهه العام لا يحدد العلاقة مع الأدب فقط بل مع كل شيء في العالم من قضاياه الإنسانية وحتى الطريق التي يختار بها الإنسان ألوان بيته. وهنا أريد أن أتحدث عن الأحداث الأخيرة والأدب الذي قرأته، حديث مباشر وخاص.
 
قرأت في رواية “بدم بارد” للصحفي الأمريكي ترومان كابوتي جريمة قتل، يدخل فيها شابان إلى منزل عائلة ذات سمعة طيبة في هولوكومب غرب تكساس ثم يقتلون جميع من في البيت حتى مع استجداء الأطفال على الرغم من عدم اضطرارهم لذلك. كان الهدف من زيارة البيت هو سرقته، تحت تأثير إشاعة سمعها أحد الجناة حول امتلاك صاحب البيت لخزنة مليئة بالمال، ورغم أنهما في نهاية الأمر لم يجدا أي خزنة أو مال في البيت، إلا أن الكاتب لا ينقل لنا شعورهما بالأسف، اذ يستمرا في مشروعهما للفرار للمكسيك، وبعد أن أنفقا كل المال هناك، عادا للمكان الذي قتلا فيه دون خوف. ما يجعل هذه القصة مثيرة، هي الطريقة التي قتلت بها العائلة، وردة فعل القاتلين. ما يحدث في قضية خاشقجي من أكثر من زاوية اليوم، يشبه تماماً روح هذه القصة، إن ما يجعل الازدراء عاماً وكبيراً على الأقل بالنسبة للناس غير المعنيين بحرية الكلمة، هو الطريقة التي قتل بها خاشقجي، والتي لم يتوانى كثر من الإشارة إليها في كونها “غبية” أو ” غير ذات جدوى” أو “كان يمكن تسويتها بصورة أخرى” وكأن حدوث الجريمة في مسرح آخر وبسيناريو مختلف قد يغير من حجم التنديد بها. لا يتحمل كثير من البشر أن تكون بدائية الإنسان وهمجيته ظاهرة بهذه الفجاجة، فهو يهدد كل شيء تدعي الحضارة الإنسانية الوصول إليه. ولا أعني بالضرورة أن تكون هذه العلاقة بين الموقف الشخصي والحادثة واعية. إن ما يهدد فكرة وصول الإنسان لمجتمعات مدنية، وخضوع طبيعته للقوانين التي تضبطها، يهدد استقراره النفسي بصورة كبيرة، فرفضها اذن لا يصبح معضلة إذا كان في ذلك باعثاً لأمانه المهدد. في رواية كابوتي، نستمر قراءة الأحداث العادية لرحلة الشابين، السرقة، والاحتيال، والكثير من الجنس، كأن شيئاً لم يحدث منذ الصفحات الأولى، إلا أن الكاتب في نهاية الرواية يخضع البطلين للتحليل النفسي، الأمر الذي نحاول فعله، عندما نحاول عبر كل هذه التأويلات، وضع حادثة مقتل خاشقجي في سياق مفهوم ومنطقي، يتعلق بأسباب قد تبرر للقتلة موقفهم. لا أستطيع النظر إلى مقتل خاشقجي إلا في كونه جريمة في حق إنسان أياً كانت الظروف والملابسات التي كانت ستؤدي في النهاية الى النتيجة نفسها. هنالك رواية أخرى، تدفعني للتأمل في الحادثة بهذه الطريقة، “موت معلن” لماركيز، الرواية التي يصبح فيها خبر الموت مشاعاً، فلا يدفع أحد لأن يحول دون وقوع الجريمة، إن الطريقة التي تحدث بها الجريمة في الرواية، يحدد الموقف من الموت، وهذا ما يجعل الأمر مثيراً في نهاية الأمر، وهو ما يبدو مربكا بالنسبة لي شخصياً، ولا أقول أن الأسباب الأخرى والتي من بينها تكريس وسائل الإعلام لحادثة دون أخرى يجعلها في أولويات الجمهور، لكن وسائل الإعلام تستخدم المفارقة في الجريمة لصالح الدفع بها عند جماهيرها.
 
بدأت علاقتي الاختيارية بالقضية الفلسطينية في مرحلة الجامعة، وأقول الاختيارية لأنها كانت حتى ذلك الوقت، إحدى المسلمات التي نشأت عليها ولم أخترها طواعية، أو عن فهم بها، عندما كنت طالبة في جامعة الكويت، أقرأ الآثار الكاملة لغسان كنفاني في سرير غرفتي بالسكن الجامعي، ومع تذييل كثير من القصص بتواريخ في الكويت. كان هنالك رابطاً روحياً بيني وبين فكرة وجود غسان في الكويت في مرحلة سابقة، ولأنني تأثرت بقصصه كثيراً، سجلتُ في مقرر “النزاع العربي الإسرائيلي” مع أحد أفضل الأساتذة الذين درست معهم “شفيق الغبرا” وهكذا بدأت أعرف عن تاريخ هذا الصراع شيئاً فشيئاً ولأنني أتوجس من المواقف العربية من بعض القضايا الفكرية والوجودية، كان هنالك شك بالرواية العربية للاحتلال الصهيوني لفلسطين، لم يكن هذا إلا تماشياً مع صراعات أخوضها مع كل المعتقدات التي نشأت عليها والتي اكتشفت مع مرور الوقت زيف الكثير منها، أشياء لم أكن أجرؤ حتى على التفكير فيها، صارت خلفي، جزءاً من ماضيّ الثقافي، لكن الأستاذ كان لا ينفك من تزويدنا بمراجع لمذكرات شخصية بداية من مذكرات هرتزل إلى آخرين لتوثيق مسار الحكاية، شارك الغبرا في كتيبة السرية الطلابية في حرب الجنوب وذلك بعد حصوله على ماجستير العلوم السياسية من أمريكا، كان الموقف لا ينطلق آنذاك من موقع ديني، اذ أنه لم يكن يوماً صراعاً دينياً، وكنتُ أتعجب عندما قرأت مذكراته الصادرة عن دار الساقي “حياة غير آمنة” قربه من رموز في المقاومة كنتُ أعرفها بفضل كنفاني وآخرين. لكن الغبرا في نهاية الكتاب يقول إنه لم يعد يؤمن بالمقاومة المسلحة، ولأننا معه لم نكن نتلقى المعلومات بل نفندها ونطرحها للنقاش كان كل من في الصف قد وصل إلى موقفه الخاص، بعدها لم تعد قضية فلسطين معنى “حرفياً” بالنسبة لي، فهي تمثل في نهاية الأمر أبشع صور الهيمنة والاستبداد، وإن رفضي لها يعني رفضي لكل تطبيقات الاستبداد في كل وجوهه. ثم أتت “رجال في الشمس” الرواية الرمز بالنسبة لي، عندما كان الثلاثة في خزان السيارة، تحرقهم شمس صحراء الخليج العربي، لم يدقوا الجدار، لأن لا فائدة من العيش دون الكرامة التي كانوا يعولون عليها من حياتهم الجديدة، لا فائدة من الوجود، إن الموت الجماعي في نهاية القصة، هذا التضامن من أجل حنينهم لصورة بعيدة دفعني لما أنا عليه اليوم. لأن الموت من أجل الحلم لا يقل فداحة عن أي موت آخر.
 
رواية الأرض المنخفضة لجومبا لاهيري، والتي تدور أحداثها في كالكوتا الهند، وحيث الشيوعية الماوية والصراع مع السلطة، تحكي الرواية قصة أخوين ينشأن معاً، يكبر أحدهما الآخر بعام واحد، إلا أنهما ولقربهما الشديد من بعضهما يختار الأبوين عدم إدخالهما المدرسة إلا في عام واحد، وهكذا يترافق الصبيان في رحلة الدراسة، إلا أن الزمن يفرق بينهما بعد أن يكون كلاً منهما موقفاً مغايراً تجاه الشيوعية، أحدهما يصبح من قادة الحزب في كالكوتا والآخر يسافر للدراسة وينأى بنفسه عن هذا كله، لكنني وطوال فترة القراءة كنتُ أقول أنهما شخص واحد، أنا مثلاً، أجد أحياناً أنه من غير المجدي أن أخوض في صراعات مباشرة من هذا النوع، حتى وإن كانت عواقب حضور السلطة في أصغر شيء أقوم به، لكنني في أحياناً أخرى أعلن مواقفي بصوت عال، وأسأل نفسي باستمرار أي الموقفين أجدى؟ في نهاية الأمر ومع تقدم الحكاية أكتشف أن حدود التضحية في الموقفين لا يختلفان، وأن الخسارة وإن اختلف مظهرها إلا أنها خسارة واحدة. هل ينبغي علينا أن نصمت حيال ما يحدث اليوم، حتى رغم التهديدات التي تطبق على أبسط تفاصيل حياتنا اليومية، أم علينا أن نقول شيئاً، ومتى يصبح لهذا الحديث قيمة وفي أي صورة؟ وأمام خطاب يتوخى نفعية مباشرة إزاء أي موقف كان، كيف يمكن أن نبرر الأمر؟ ثم هنالك الحدود التي يصنعها الأمر حول ما يسمونه “السياسة” والتي لا أجدها منفصلة عن أي شيء، أي أنني ولأوضح فكرتي لا أعتقد ان للسياسة حدود تميزها كنشاط أو مجال عن حدود أخرى ولأوضح رأي مرة أخرى دعونا نذهب للأدب، يصف بعض القراء روايات يقرؤونها في أنها فلسفية أو ذات طابع فلسفي، ورغم عدم وجود محددات واضحة لهذا الوصف، إلا أنه منتشر بصورة كبيرة، في نهاية الأمر هي ليست أكثر من تصنيفات تسويقية، إذ أن العلاقات في أي رواية قد تحتمل أن تندرج تحت مظلة توجه فلسفي ما، ولا يشترط أن يكون ذلك واضحاً في النص، إذ أن الأدب في نهاية الأمر لا يمكن أن يقرأ حرفياً. هكذا الحال مع السياسة، إنها وصف اعتباطي آخر، لا أعرف حدوداً له، فمتى يصبح الأمر سياسياً أي نشاطاً منفصلاً عن بقية الحياة ومتى لا يكون؟
 
لقد تعلمت مع مرور الوقت، ألا ينسيني العالم، همومي الشخصية، وألا تنسيني همومي الشخصية العالم، فهي مرتبطة ببعضها البعض حتى في أكثرها انفصالا عن الواقع، كامو في صخرة سيزيف يندد بسرقة مزارع الكروم الجزائرية لصالح صناعة النبيذ في فرنسا، من هنا يبدأ موقفه من هذه القضية الكبيرة، لكنه مهمومٌ بدفع صخرة الحياة غير معقولة العيش على عكس الجاذبية، بتنافر مع وجوده ومعه. وهذا ما يجعلني أرفض السخرية من إبداء الموقف في قضايا أخلاقية كبيرة، لا أريد أن يُفهم أنني أعني أن لا تلزم الصمت، رغم أن هذا جدلي بالنسبة لي أيضاً، لكن أرفض أن تتحدث بسخرية عن هذا كله، ينقل أحد أصدقائي منشوراً للواتس اب ويشاركه ضاحكاً وبه تعليق “لا يهمني موضوع أنكم مع أو ضد نتنياهو، أنا أفكر أروح الدوبي وأشتري خبز” في إشارة تتضمن أن هذا الموضوع الذي يشغلكم لا وقع مباشر له في حياتنا اليومية، في حين أن وجود “إسرائيل” غير شكل المنطقة العربية تماماً، وكان أحد مسببات الحرب الأهلية في لبنان، واستخدم كثيراً في خطاب المد الشيعي للخميني بعد إسقاط الشاه والذي بالمناسبة تدرب أفراد من جيشه في جنوب لبنان أثناء صراعها مع إسرائيل، والذي ظهر على إثره الخطاب الصحوي المضاد، هنالك مؤثرات عديدة ربما أفرد لها مقالاً آخر، لكن أثر الفراشة يكفي الآن، لأنني لا أدعي كتابة نص موضوعي هنا بقدر حاجتي للتعبير عن هذا كله، وإن كنتُ أهتم لأن لا يفوتني موعد عيادة الأسنان بعد قليل، فلا يمكن أن أنسى السيدة المسنة التي تتنظر أن يفتح معبر رفح لكي تصل لأقرب عيادة، لكنها لن تفعل لأنها ستموت، في صالة الانتظار هناك.
 
أخيراً في كتاب صغير بحجم الكف ومن مكتبة جامعة الكويت أيضاً وفي زاوية مخفية صغيرة في مركز جابر الأحمد الثقافي، قرأت “اللهو في العتمة” لتوني ميرسون، والتي تقدم فيه للقارئ دلالات على استمرار التمييز العنصري ضد السود في الأدب الأمريكي المعاصر، بصورة مشفرة، ترى أنها أكثر خطورة مما لو كانت ظاهرة، اذ أن ظهورها يسهل ملاحظتها ومواجهتها، من الأدب بدأت أعي التزاماتي الإنسانية، وبالشفرات، ما بين سطر وآخر، كنت أعرف الرهافة التي تمكنني من الإحساس، أليست الأخلاق في نهاية المطاف تشترط حساسية عالية؟
 
 
 
 
 
 
 
 

متابعة القراءة “الأدب ومشكلات العالم العربي الأخيرة – قراءة انطباعية”

البيت ( 2 )

كان من العادة أن يذبح الناس، شاةً أو خروفاً، عند الانتقال لبيت جديد، لكننا أجلنا ذلك لحين موعد ولادة أخي، العقيقة ودخول البيت بالمرة، هكذا قال أبي، لأولئك الذين ظلوا يطالبونه ب “عزومة” البيت الجديد. وفعلاً جاء أخي، الولد بعد ثلاث فتيات، كانت رائحة السمن العربي نفاثة في البيت، وجدتي تخبز يومياً في بيتها، ثم تجيء لأمي بالخبز وعسل السمر. كان ذلك في شهر نوفمبر، والأبواب مشرعة طوال النهار، فلا حاجة للمكيف، وكان صبغ البيت داكناً، فبدا أن الشمس التي تدخل للبيت، تحاول دون جدوى أن تفعل شيئاً ما. متابعة القراءة “البيت ( 2 )”

البيت

لطالما هددتُ أمي أنني لن أجلس في البيت يوماً واحداً بعد أن أبلغ ١٨، وأنني عندما سأدخل الجامعة لن أعود مهما حدث للبيت. لكنني الآن هنا عمري ٢٦ عاماً، في البيت، ليس تماماً في غرفتي القديمة، لأن ترتيب الغرف تغير مراراً منذ ذلك الحين، هاربة من عملي، ومن كل أحد أعرفه، إلى سقيفة منزلنا، وكل شيء مرتبط بها.

متابعة القراءة “البيت”

الحلقة الأولى: يوميات “سالم” وحده. يومياته جداً.

300-1536045474

لا أحس أنني قادر على محبة أحد في هذه اللحظة، اليوم تمكنت من إنهاء إجراءات القرض الشخصي من المصرف الذي أتعامل معه، وأشعر أنني وبعد تسديد ديوني لن يكون لأحد حصةٌ في قلبي بعد الآن، فلا شيء يشعرني بالذنب تجاه أحد، لا شيء سيكون معلقاً بما يظنون أنهم منحوني إياه، كل شيء حسم منذ زمن بعيد. ولن يعود لأحد أي فضل علي، يا لهذه الجملة بالغة الاعتيادية، يا لهذه السخافة التي أخوض فيها، لكنني من لحم دافئ ولم أعد أحتمل كل هذه الحرارة، كل هذا الغليان، كل هذه المحاولات. لديّ عدد لا بأس به من الأصدقاء، لكنني بتُ أمقتهم، تثيرني على نحو سيء كل تلك المحاولات للابتعاد عن كل ما هو جمعي، يشترون الأطعمة العضوية، يتناولون وجباتهم في مطاعم غير معروفة، يحبون الحيوانات ويقرؤون عنها كثيراً، يربون قططاً في غالب الأحيان أو يحلمون بذلك، يناهضون التغييرات السياسية، لأن المراهقين وحدهم الثوار، والمسألة ليست أنهم لا يتزوجون، بل تلك الطريقة التي ينظرون بها إلى المتزوجين،  هنالك نوع من الكياسة التي تزعجني فيهم، إن أي شيء يشبه التجربة الدينية قد يتسبب في إرباكهم، لكنهم وعلى نحو ما، ينتمون لتنظيم من هذا النوع. أحب ببساطة التعبير عن عدميتي، ولا أجد حرجاً في أن أكون عادياً للدرجة التي تسحقني فيها أغنية رائجة، تعود بي إلى لحظات طفولية مر عليها وقت طويل. بصراحة لستُ مستعداً لأن أحارب لكي أبدو نتاجُ تطور اجتماعي. أحبُ البيت والعائلة، لكنني لن أنتمي لواحدة يوماً، وليس لدي مواقف من أشياء كثيرة، ولا أعدُ “انفصام الشخصية الحدية” مسوغاً لأي شيء. ويضايقني بشدة الدكتور جيري الذي يضع في عيادته النفسية لوحة كابوسية لإحدى مريضاته، يسخر بأنه لم يفهم منها شيئاً. ولستُ ممن قد يشاهد أفلاماً عن هوس الشراء أو التعلق بالممتلكات، ولن أغلق الهاتف في وجه أحد، وهشاشتي هذه لا ينبغي أن تكون مصدراً للحرج أو الإغواء، نسيتُ أن أقول إنني أكره السفر بحقيبة ظهر، أو لقاء الغرباء في الحانات، لإمضاء ليلة واحدة، وأكره الغرف المشتركة، والفنادق الرخيصة، لكن لا بأس برحلات الطيران منخفضة الثمن.

Antonio_Segui_Angel

منذ يوم العمل الأول في مكتبي الجديد، وزملائي الذين سبقوني لهذه الوظيفة بما لا يقل عن عشرة أعوام يشعرون أنني غض، لا بأس في هذا، قالوا إن الفتيات يترددن أكثر على القسم بعد أن نقلت مكتبي إليه، واعتبرت ذلك نوعاً من الإطراء الذي يدعو للتقيؤ، لكنني ضحكت حتى لا يبدو ذلك غريباً، أعني إنكاري لذلك الزهو الذي قد يعني أن أحداً مهتمٌ لأمري، ما أحلاني وأنا أجادلُ في ذلك، وكان يرافق هذا بالطبع شعورٌ بأنهم سيطلبون مني رد هذا الجميل بطريقة أكثر إمعاناً في القرف، لا بأس سأفكر في حينه، لا أعتبر نفسي جذاباً، ولم يكن مهماً أبداً أن أهتم لذلك، لكنني وما إن أقع في غرام فتاة، حتى أبدو طفلاً صغيراً يحاول بكل طريقة ممكنة أن يحوز على إعجاب الكبار، لذلك أتصرف بطيش، ولا أجد ذلك مختلفاً، الجميع يتصرفون هكذا في مواقف مماثلة، أو هذا ما أحسه. يقول إحدى الزملاء أن زوجته حامل، وأن النساء يصبحن عديمات الأهمية عندما يحملن، وأن هذا الحمل تحديداً قد يودي بحياة زوجته أو بحياته، لكنني لا أؤيد شيئاً بهذه السفالة، لدي جلد حساس، يحددُ متى ينبغي عليه أن يذعن رغم عدم اتفاقه ومتى يفر هارباً. إشعارات عديدة على هاتفي النقال، أخي أسمى طفلته “قيم” يا إلهي، لماذا هذا السعار في قطبيه المتنافرين، أصدقائي وعائلتي.

images

بالعودة للحديث عني، أنا لا أعبد المتعة، ليست هذه الأخيرة هي كل شيء، دمي فوار، وأنا كئيب، كآبتي حقيقية، لذلك هنالك أشياء كثيرة مع المتعة في هذا العالم، هي واحدة من أشياء كثيرة رغماً عن أولاد الكلب. بالمناسبة أنا لا أسب أبداً ،مع أنني أجد الجاذبية فيمن يشتمون، كنتُ أعتقد إلى وقت قريب أن الشتيمة هي تمرد من الداخل، مواجهة مباشرة مع سلطة ما، تفرض علينا نوعاً من اللياقة المصطنعة، والتي لا يهمها أن الواقع رديء، أكثر من الكلام.  أحب الكلمة الحلوة، لكن قولها في الوقت الذي يستطيع فيه الإنسان أن يقول شيئاً يدعو للضحك عوضاً عنها، قد يسبب لي آلاماً في المعدة. وليس لدي حساب في لينكد إن، ولستُ مهووساً بالترجمة أو ما شابه ذلك. لا أعرف استخدام ميزات لابتوبي الماك من شركة أبل لكنني أبداً أبداً لم أضع شريطاً لاصقاً على الكاميرا الأمامية في جهازي، إن هذا مغثٍ جداً.

يتبع

أنشئ موقعاً أو مدونة مجانية على ووردبريس.كوم.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: