تعودتُ أن أفهم الأشياء من غيابها. فالمرة الأولى التي أحسستُ فيها بالتحرر، كانت في غرفتي بالسكن الجامعي، في الكويت، بعيداً عن القرية التي نشأتُ فيها، ذلك لأنني كنتُ أعرف، أن أحداً لا يعرف مكان وجودي. هناك إذن فهمتُ كيف يكون وجود الآخرين ضاجاً وباعثاً على الانغلاق والموت. لكنني بعدها بوقت قصير سأضطر للسير على جثثهم، لأنني كنتُ أحملها في مكان ما مني، لم يكن ذلك سهلاً بالطبع، لكنني فهمتُ أيضاً ولمرة أخرى، أنني من ذلك النوع الذي لا يبدأ يومه دون ماضيه، وأنني لن أستطيع أن أعيش الحاضر أبداً وأنا أقمع كل تلك الأحداث التي سبقت وجودي الآن.
أول قصة كتبتها كانت عن القطط، ثم شيئاً فشيئاً صار حضور القطط في كل ما أكتب أشبه بالأسلوب أو النبرة. لكنني لا أبالغ إذا ما قلتُ إن هذا لم يكن مقصوداً. عندما كنا نعيش في بيت جدي قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، كان عدد القطط البرية كبير جداً، ولم يكن حضورها مرفوضاً، بل على العكس من ذلك، فبعد وجبة الغداء نترك بقايا الطعام في حوش البيت وتجتمع القطط حولها بسلام. وذات يوم أصيبت قدم قطٌ مرقط بالذهبي، تلقى عناية استثنائية وغيرة تخيلتها من بقية القطط ومني.
أحدث التعليقات