30442827_2145138209050886_5610635391078064014_n

كنتُ أحلم بامتحانات الثانوية العامة حتى وقت قريب.  يحدث أن أكون في يوم امتحان الكيمياء غير مستعدة له أبداً. فأستيقظ فزعة من النوم، كانت امتحانات الثانوية العامة حدثا تراجيدياً في حياتي، فمنذ نعومة أظافري أخبرتني أمي أنها أسمتني أمل لأنني سأدخل كلية الطب تعويضاً عن عدم مقدرتها على فعل ذلك. وكان أبي عندما ينصحني بالاهتمام بالدراسة، يهددني بأنني مالم أحصل على معدل جيد لن يدفع قرشاً واحداً لتعليمي.

 كانت فرص التعليم العالي قليلة آنذاك، ففي دفعتنا الدراسية وحدها تأهل ١٤ ألف طالب لشغل مقعد دراسي في الجامعات والكليات والبعثات الدراسية من مجموع ٤٩ ألف طالب. عدد كبير من زميلاتي لم يدخل أي جامعة. كنت طالبة مجتهدة، وأحصل على المركز الأول دائما، لكنني ولظروف كثيرة، بدأت أفقد الاهتمام بهذا كله، عندما وصلت للصف الحادي عشر، كنتُ في حاجة كبيرة للحب، وكنت ضجرة في معظم الأحيان، أعرف الآن أنني كنتُ أعاني نوبات اكتئاب حادة، لكنني في ذلك الوقت لم أكن أعرف أن لهذا اسماً.

 في السادسة والعشرين لا تتوقع أن تستيقظ مذعوراً لأنك تفشل في حل امتحان الكيمياء في الثانوية العامة، لم يكن أي شيء يستطيع مساعدتي على تجاوز ذلك، حتى انضممتُ لبرنامج الماجستير في جامعة السلطان قابوس قبل ثلاث سنوات، مدفوعة برغبة أمي الأولى بأن أدرس في هذه الجامعة، بعد أن خذلتها سابقاً عندما فضلتُ الدراسة في الخارج. فجامعة السلطان قابوس بالنسبة لجيل من العمانيين، تحمل رمزيةً لا يمكن أبداً النقاش فيها. كلما مر يوم زاد تعلقي بعائلتي، وعلى الرغم من كل شيء، يبدو أن إرضائهم هو العثرة الكبيرة التي لا أستطيع الفكاك منها، أعترف أنني ضعيفة إزاء ذلك، لكن الأمر معقد بطريقة لا أستطيع شرحها في تدوينة واحدة. عندما بدأت أتعثر في دراستي الجامعية الآن، بسبب مني أحياناً، ولأسباب تتعلق بالأساتذة، والنظام التقليدي في الجامعة، بدأ كل شيء ينهار، واستبدلتُ تلك الصورة القديمة عن عدم اجتياز امتحانات الثانوية، بصورة الفشل الذريع في اجتياز برنامج الماجستير. قبلتُ بنسبة عالية، حتى أنني حصلت على منحة من الجامعة لمواصلة الدراسة، لكنني الوحيدة التي تأخرت من بين كل طلبة الدفعة. حاولت تسجيل مواد دراسية قبل فصلين فإذ بي أكتشف أنني غير مقيدة في الجامعة بعد الآن، بعدها عرفتُ أن معدلي الدراسي أقل مما يجب ب .04 تقدمت بطلب لإعادة قيدي، وعدت من جديد للجامعة، بدأت بكتابة أطروحة حول الاغتراب في السينما الروائية العمانية. لكنني كنتُ وفي كل مرة أغرق في متاهة من المتطلبات لإنهاء أي خطوة بسيطة. غيرت موضوع الرسالة، بعدها تعرضت لحادث سيارة، لم أستطع الحراك بسببه لفترة طويلة، أشياء كهذه كانت تحدث باستمرار، صار الأمر كابوسياً، اضطررتُ لطلب التمديد لفصل دراسي آخر وجاءت الموافقة. سمعتُ كثيراً عبارات من نوع: “كأنك أول وحدة تدرسين ماجستير” “ترا ملينا تذمرك من الماجستير” وأعرف جيداً أنهم محقون في ذلك، لكنني أعرف أيضاً أن شيئاً بهذه البساطة لم يكن هيناً عليّ أبداً، وأنني أتعذب للغاية، وأجد أسباباً إضافية للشعور بالذنب وإلقاء اللوم على نفسي بين هذا كله.

تحدد يوم أمس موعد المناقشة النهائية، السبت، ٢٦ يناير / ٢٠١٩. أكاد أجن، ففتاة عصابية مثلي لا تستطيع أن تنتظر بسهولة. أذكر نفسي بالأشياء التي أرغب في فعلها بعد أن يتوقف هذا السعار، سأواصل مشروع قراءة الكلاسيكيات، موبي ديك، الجبل السحري، غاتسبي العظيم، الشمس لا تزال تشرق، الحرب والسلم، دون كيخوته. سأواصل مشاهدة الأفلام، والأهم من ذلك كله، لن أفعل شيئاً في كثير من الأوقات.

تقول صديقتي أن هذه المرحلة التي توشك على أن تمر، مهمة، فيمكن بعدها أن تشعر بمعنى أن لا تفعل شيئاً بهذه الأهمية، أن لا يكون لديك فروض دراسية، وأن تقضي الوقت بدلاً من ذلك في إضاعته بطريقة تناسبك أكثر.

لا أعرف إن كنت سأنجح في نهاية الأمر ، أشعر أنني متعبة، لكن هذا التعب ليس كافياً بعد للإستسلام لفكرة أنني حاولت بما يكفي، تتملكني رغبة هائلة في الإمحاء، فإن لم أكن موجودة، لن يكون هذا الألم موجوداً بعد الآن.

 

أمل بوشر

١٦- يناير – ٢٠١٩