ما لشيء الذي اقترفناه لنستحق هذا المصير؟ أقول لنفسي، ما كان ينبغي عليّ أن أعرف ما أريده منك، ومن أي رجل كان، يقتضي الحب شيئاً من الجهل، حين أسد نقصاً ما فيك، وتسد نقصاً فيّ، دون وعي منا، وتنتهي المعادلة على هذا النحو. لكنني لم أكن من النوع الذي يؤمن بحسابات كهذه، أعرفُ ما أريد وأقول ذلك، لأن حياتنا معاً ليست محطة. آمنت دوماً أنني وصلت عندك وهذا كل شيء، وصلتُ إليك، لسنا جسراً، لسنا مشواراً سينتهي عما قريب، لذلك لا أرغب في أن أمتحنك، لا أريد أن تشعر بما أريده من تلقاء نفسك، لا أستطيع إلقاء هذا العبء عليك، خصوصاً وأنني أعرف جيداً، أي الأعباء تلقيها علينا الحياة كل يوم. كنتُ أقول لك بورع، أنني بحاجة للتعاطف والحب، وأنني أفتقد الحنان، وأنني لم أعرف الحضن إلا في الجامعة، وأنني خجلت من كل الأحضان التي تلقيتها أو من توقع الآخرين بأن أحضنهم في الوقت الذي أحسُ فيه بالخجل من هذا القرب، أوشك على الانهيار، وصدرك، صدرك وحده يستطيع أن يجمعني. لكنك بدلاً من ذلك، رأيت أن الحب، يكمن في تفاصيل أخرى، في الإيمان بي، في أن تعرفني حق المعرفة، كنت تُعرف الحب بهذه الأفكار النبيلة، وكنتُ في اللحظة نفسها لا أريد فكرة، بقدر اللمسة، الشيء الواقعي الوحيد، الذي أستطيع به أن أصقل قدماي، اللتان تقفان بعيداً، بعيداً، في أكثر الأوهام ازدهاراً.

كل شيء صار جزءاً من الصراع بيننا، تستمر في قراءة كتب الفلسفة، وأقرأ الأدب، هجرتُ قراءة كل الكتب الأخرى، ربما لأنك تقرأها، وكلما أمعنتَ في مشروعك هذا، وبقدر سعادتي بحبك الكبير لما تفعل، كنتُ أشعر بأنك تقصيني من حياتك، توسلتُ إليك، قلتُ لك مرة أن شخصية ذئب البراري في رواية هرمان هسه تشبهني، لكنك لم تعر ذلك انتباهاً، أفضلُ فيروز، وديع الصافي عندما يغني رح حلفك، أحب طلال وعبادي وترى أن أصواتهم لا تحتمل، موسيقاك المفضلة، هي أغاني الفرق العربية الحديثة، التي تغني أفكاراً، المساواة في الحقوق، الفقر، التفكير الحر، التحرش، أغانٍ هادفة أليس كذلك؟ فماذا كنتُ أنا في هذا كله؟ مالذي أفعله في حياتك؟ ما الدور الذي ألعبه؟ هشاشتي التي تحركني ليل نهار، استسلامي، وهذا البطء الشديد، حساباتي على التواصل الاجتماعي، طريقتي في الحديث على سناب شات لأشخاص قد لا أعرفهم تماماً، كل هذه الأشياء التي لا تطلعات بها، كل هذه الأشياء التي أجيدها، كيف تراها؟

لا أشعر بحاجة لأن أثبت أي شيء لك، ولا أستطيع تقبل رداءة عيشنا معاً، الكلمات التي لا نقولها، وكل لمسة مهدرة، كلُ حضنٍ يفوت أوانه، وكل العار الذي يخلفه هذا في نفسي، أتخيلك طوال الوقت بصحبة امرأة أخرى، تَملنيُ، تضجرك الفتاة المثقفة في البيت، التي تعرفُ ما تريده أكثر مما ينبغي، التي تطلبُ مني أن أكون شخصاً آخر، شخصاً ينظرُ إليها، شخصاً يستطيع النظر رغماً عنه، أتخيلك مع امرأة أخرى، عذبةٌ مثل بدايات الصباح، فطنة مثل سؤال قادم لكنه لا يُطرح أبداً، أصابعها طويلة وهزيلة، ابتسامتها كاملة، لا تضع كفها على فمها كلما ضحكت، لأنها تفكر “كيف تبدو ضحكتي؟ أخفيها كي لا تبدو أي شيء” أتخيلك سعيداً، أفكارك بمأمن، ولا تحتاج أبداً لأن تحرك يدك، تكتفي بالإيماء طوال الوقت، وتعود لأفكارك.

كتبتُ قصصاً كثيرة عن كل شيء حدث معنا، استعارات ضعيفة، مجازات لا تُموجُ سطح ماء، لم يتفاعل أحد معها، لم يقل لي أحد أنها تشبه أي شيء، كان صوتي في تلك الكتابة ينحسرُ، يتراجعُ، يموت. كل القصص التي عبرتُ فيها عن غضبي وإحباطي، كل القصص التي عنيتُ فيها أنني أحبك جداً وأنتظرك جداً، ولهذا أنا غاضبةٌ منك، كل تلك المحاولات، لم تفضِ إلى شيء، لا على مستوى الحلم، ولا على مستوى الواقع. قلت لك ذات مرة، أن كافكا يكره الزواج، لأنه لا يمنح الإنسان وحدته الكاملة. قلت لك أكره منتصف المسافة، أكره المنطقة بين الوحدة واللاوحدة، أكره الترقب، وأنني أتفتتُ في المواجهات للوصول إلى ضفة بينهما، قلتُ لك، لكنك بدلاً من احتضاني، أقفلت باب الغرفة، ومضيت إلى حزنك علينا لوحدك.