لازمني منذ الطفولة، شعور الأشياء المخفية، فحتى نبوغي في المدرسة، لم يكن سبباً كافياً لكي أبدو مرئية بالنسبة للآخرين، لم أشعر قط بأن شيئاً ما ينقصني، بدت حالتي هذه هي الوضع الطبيعي بالنسبة لجميع الناس، ومثلما ننظر إلى نجم شهير، كنتُ أنظر لكل اللواتي يحظين بالاهتمام، كما لو أنهنّ من طبيعة أخرى لا تتفق و أي مقارنة، فلم يكن ذلك مؤلماً على الإطلاق، ولا مدعاةً للحسد، والغيرة. بدا الظلُ مكاناً مناسباً لمراقبة كل ما يحدث حولي، يكبرُ كل يوم، يغمرني أكثر، فلا يعود باستطاعة أحد أن يراني أبداً. عندما شاهدتُ اليوم فتاة يقفز والدها معها في مربعات خشب الورنيش بإحدى المجمعات التجارية، منفصلين عن العالم كله، تحول شعوري فوراً إلى نوع من التأرجح بين رغبة ممعنة في هذا النوع من الماضي، وبين شعور مبهم بتفضيل الهامش على أي شيء آخر.
كانت أختي تحظى باهتمام النجوم، ورأيت كم كان هذا خطراً، كيف كانت تحاولُ إرضاء الجميع طوال الوقت، أما أنا فكل ما عليّ فعله هو أن أكون مثالية على نحو معقول ومنضبط، لا أمتلك نوعاً من النظرات الحادة، وأتمتع بشحوب الفتاة النجيبة، التي لا تستطيع أن تكون مثيرة على أي نحو، لو أنني أردت شرح الأمر بصورة أوضح لقلت أن هذه الطفولة، كانت في مصعد صغير، على الرغم من وجود عدد لا بأس به من الناس فيه، إلا أن تلك الشرارة التي يصنعها القربُ، لم تكن موجودة على الإطلاق، لم تكن أجسادنا في ذلك المصعد متحفزة على أي نحو، كانت هناك صامتة، وتحملُ وجوهاً محايدة، تعرف في أي طابق عليها أن تتوقف، وكم إيماءةً وحركة ستحتاج لتفعل ذلك. في يوم تخرجي من الجامعة، كان اسمي في مؤخرة القائمة، صفقتُ للجميع، كانت صيحات زملاء الدفعة تعلو وتهبط حسب الاسم الذي ينادونه، الجميع ينتمي لمجموعات صغيرة، أما أنا فلم يكن لديّ عداء مع أحد، لكنني في الوقت نفسه لم أحظى بأي صداقات. ربما تغير كل شيء منذ ذلك الوقت، صرتُ أتكلم ببطء كلما أردتُ شرح فكرتي، ألاحظ بالطبع أن تدفق الكلام يُفقدني ذلك السهو الآمن، وأراقبُ صوتي يشبه الكابوس، يتقدم بريبة، وأبدو مزيفةً وحقيقية في الوقت نفسه.
أبذل جهداً كبيراً في اختيار ملابسي، وأدفع جزءاً كبيراً من مالي لذلك، لكن النتيجة واحدة، وعندما أضع أحمر شفاه، أكاد لا أصدق نفسي، أخففهُ كثيراً قبل أن أخرج لأي مكان، أضغط عليه بالمنديل، مرات متتالية دون أن أمسحه كلياً، وحقائبي غالباً ما تكون بنية، لم أشعر بأن هذا كله سر من أسراري، إلا أنني سأتعلم أن هذه الأشياء ينبغي ألا يفضحها الوقت، كنتُ على غير عادتي مملوءةً بثقة كبيرة بأنني أفعل ما يشبهني، أرتدي ما يبدو جيداً لفتاة تحبُ مدام بوفاري، وآنا كارنينا، من بعيد، تماماً مثل الأحلام التي راودتهما دون أن أحرك ساكناً من جهتي، لم أكن أعلم بالطبع، أن الرجل الذي سأحبه، يريد امرأة لامعة، يظهر عليها بذلها للجهد، يسير بجانبها، مزهواً بأنه كامل، ومرغوب، من فتاة متوهجة يمكنها أن تترك على فنجان قهوتها، آثار شفاهها.
لماذا قد يحبني أحد؟
لا يستطيع وجهي أن يبدو متجهما بالقدر ذاته الذي تنطلق فيه كل سموم العالم داخل صدري، أصحو على رعب حقيقي، كلما أطرقتُ بحثاً عن إجابة ممكنة لسؤال كهذا، ليس الأمر أنني لم أكن داخل الحب، بل ها أنا فيه، وأوشكُ على فقدانه، لقد تطلب الأمر بحثاً فيّ لسنوات، لكي يكتشف الخداع الذي تعرض له، لكي يزول أثر الفضول البارز، لكي تبدو الشفافية أمراً غير كافٍ لاستمرار الحب. تتدفق عليّ مناظر حياتي، اعتمدتُ فيها دائماً على الفضيلة العادية، على ألا أخطئ في حق الآخرين، وأن أغفر لهم متى ما استطعتُ ذلك، ربما كنتُ أنسى كل أسباب الضغائن، لأنني مستغرقة في ذاتي، كنتُ أعتمد في حياتي على نسيان الآخرين. وعندما جاء الآخرون عبرك إليّ، دفنتُ رأسي في السطح الأجوف لحياتي.
مع مرور الوقت، كنت تبحث عن فتاة، يمكنها أن تركض معك، ترقص معك، ولم يكن قلبي المعذب إلا سبباً في انقباض إيماءات وجهك ودافعاً لاستنكارك.
لماذا لن يحبني أحد؟
لا أفهم لماذا يغني جوني كاش It’s All Over بذلك الحماس، النخيل الذي تربيت بين مسافاته الفاصلة واحدة تلو الأخرى، لم تعلمني شيئاً غير أنني أستأنسُ بالنظر إلى فرص المشي هناك، كل هذا الميراث إن لم أنظر إليه أي خطأ جسيم سأرتكب؟ بعد ذهابك عني، بعد زوال هذا الحب، أنظرُ لكل شيء يخصني كما لو أنه دليل قاطع على استحقاقي لكل شيء، وبأن قلبي وحده قد لا يعني أي شيء على الإطلاق، وأنه على الأقل لا يعني كل ما فكرتُ بأنه يمثله. في شهر أبريل، يمكن للربيع أن يكون ساماً.
5 أفريل، 2019 at 1:31 ص
أنا أحبك حقا..لستُ واهمة..
حتى لو لم تكوني مهتمة..
أنت أمنية بالنسبة لي..
أعذري صراحتي المفرطة..
إعجابLiked by 1 person
5 أفريل، 2019 at 12:50 م
😘
إعجابإعجاب
23 مارس، 2021 at 12:22 م
عودة للنص بعد انقطاعه طويلة، ما أجمله، مدهش بعد كل قراءة
إعجابإعجاب