تابعوني على هذه المنصة:
كان يتمشى في مزرعة والده، يوزع نظره على الحقل المحروث تواً، ناعساً راح يفكر في أنه لم يزرها منذ زمن بعيد، أشجار السفرجل الثلاث، في الزاوية الشمالية الأقصى، تحاوطها أوراقها التي طوحتها ريح الأيام الماضية، كان يجلسُ هنا كثيراً، لعلمه أن الجميع يجدونه بعيداً عن المنزل، وعن المكان الذي ينوعون فيه بين مختلف الإنتاج الزراعي طوال العام، هنا كوكب آخر، فلا يمكن إدراك نوافير الري الطويلة من على هذه الزاوية، لا شيء سوى أن أشجاراً ضخمة من المانجو تحول بينه وبين الجميع، لكنه لم يعد يأتي إلى هنا كثيراً، يريد ذلك ويقرر فعلاً أن يعود لمرات ومرات كلما كان هنا، لكنه ما إن يبتعد قليلاً لا يعود يفكر في هذا المكان.
متابعة القراءة “قصة :غشيه شعور عميق بأنه يعرف كل شيء .”
لازمني منذ الطفولة، شعور الأشياء المخفية، فحتى نبوغي في المدرسة، لم يكن سبباً كافياً لكي أبدو مرئية بالنسبة للآخرين، لم أشعر قط بأن شيئاً ما ينقصني، بدت حالتي هذه هي الوضع الطبيعي بالنسبة لجميع الناس، ومثلما ننظر إلى نجم شهير، كنتُ أنظر لكل اللواتي يحظين بالاهتمام، كما لو أنهنّ من طبيعة أخرى لا تتفق و أي مقارنة، فلم يكن ذلك مؤلماً على الإطلاق، ولا مدعاةً للحسد، والغيرة. بدا الظلُ مكاناً مناسباً لمراقبة كل ما يحدث حولي، يكبرُ كل يوم، يغمرني أكثر، فلا يعود باستطاعة أحد أن يراني أبداً. عندما شاهدتُ اليوم فتاة يقفز والدها معها في مربعات خشب الورنيش بإحدى المجمعات التجارية، منفصلين عن العالم كله، تحول شعوري فوراً إلى نوع من التأرجح بين رغبة ممعنة في هذا النوع من الماضي، وبين شعور مبهم بتفضيل الهامش على أي شيء آخر. متابعة القراءة “رسالة: الربيعُ السام”

الجوال – كارسن ماكالرز
ترجمة: زهرة ناصر
تدقيق: أمل السعيدي
كان حد الغبش بين الحلم واليقظة روميّ هذا الصباح، إذ رأى النوافير الناثرة، والشوارع الضيقة المقنطرة، والمدينة الذهبية الغنية بالأزهار والأحجار التي صقلها الزمن. حين يكون بالكاد قد استيقظ يشاهد نفسه يتجول مجدداً في باريس، ويزور أنقاض حروب ألمانيا. أحياناً ينزل في فندق ثلجي ويزور أماكن تزلج سويسرية، وأحياناً أخرى، يجوب في أعقاب الفجر حقول جورجيا المحروثة تواً استعداداً لبذرها. كانت روما هذا الصباح في منطقة الأحلام البعيدة عن الواقع. متابعة القراءة “الجوال – كارسن ماكالرز”
عندما تذكرته، رغبت في أن تتلاشى حتى النهاية، ولكن هذه الفكرة هي الأخرى بدت إيحاءً بطبيعته هو، هذه الأفكار العامة، التي لا تبدو مفهومة، وتظهر كما لو أنها استعارات باهتة، شيء لا صلة له بما يحدث بالفعل، يشبه الأمر أن يتحدث كاتب عن رسالته للعالم، وماكانت ترغب به، ما تحسه هي، والذي تعرف أنه بعيد كل البعد عن طبيعته، هي رغبتها في أن تكافئ نفسها بالنأي عن هذه الأفكار الصاخبة، وأن تبذل قصارى جهدها في كتابة القصة التالية، باقتصاد كبير، ودون رغبة في إقحام كل العالم. تذكرت الطريقة التي يرتدي فيها ثيابه، يبدأ من بنطاله، ساحباً إياه للأعلى بتثاقل، كما لو أن جسده رطب على الدوام، ولا يمكن أن يعبره القماش بسهولة، تذكرت السرعة التي يتحدث بها عند نادل المقهى الذي كان يعمل في يومه الأول، وكيف طلب منه بتلقائية مريعة كوب القهوة الأمريكية المفلترة، وتذكرت كم إستغرق في التفكير بفاتورة عشائهما معاً، قبل أن يدفع، فينتقل إليها ثقل الموقف. كم خسرت عندما طلبت منه ألا يحادثها بعد الآن؟ أشياءٌ كثيرة كما كانت تظن. متابعة القراءة “مالذي يحدث بعد الحب؟”
كان محطماً، يترنح على شاطئ السيب، يحسُ بالهزيمة تغمره، لو أنها تزوجت رجلاً آخر، لربما شعر بما لا يحسُ به الآن، لكنها تزوجت هذا الرجل، لم يكن يدرك بالطبع هذه الفكرة، من الأفضل ألا يفهم الناس أنهم يغارون ممن هم أفضل منهم. وإلا ظهر كل شيء على السطح، كل التمايزات القائمة على الطبقة الاجتماعية، أو الجمال، أو امتلاك المال، يجب أن يعيش الناس وهم يجهلون هذه الفروقات، وأن تبقى أسباب التناحر غير واضحة. آخر مرة تحدث فيها معها، كانت تبكي وتترجاه أن يتزوجا، لم تعد تطيق البعد عنه، وبعد وفاة أبيها، بدأت تحس بالخواء الحقيقي، لم يعد هناك ما يسلي عنها حزنها، وتخاف فقدانه هو الآخر. لكنه لم يكن مستعداً لخسارة زوجته التي تعيش في قرية صغيرة ب نزوى مع أولاده الخمسة، لأسباب كثيرة، ليس شخصاً يستطيع التغيير بسهولة، فعادة ما يستسلم للوضع القائم، حتى أنه عندما أعجب بها قبل ٤ سنوات، تفاجأ من قدرته على أن يكون منخرطاً في شيء كهذا، تبدو الأشياء بالنسبة له بعيدة المنال بل ومستحيلة، كما أنه تَشارك مع زوجته في بناء بيتهما الكبير، بدورين وغرف واسعة، وحوش بعشب اصطناعي لجلسات المساء التي لا يتذكرها إلا عندما يمضي الشتاء مذكراً نفسه أنه سيستغلها في الشتاء التالي، كيف إذن يستطيع حل هذا كله والبدء من جديد. متابعة القراءة “قصة : ليست لغزاً”
كنتُ أعود من العمل عند الثانية ظهراً، وعندما أفتح باب الشقة التي تبلغ أجرتها ربع الراتب الذي أتقاضاه، لكنها تفصلني عن التجمعات السكانية في مسقط، تقع عيني فوراً على المكتبة، ممتدة لأمتار، والكتاب الذي ألمحه هذه الأيام “ذئب ونفرش طريقه بالفخاخ” أنطولوجيا الشعر المصري الحديث، نسختان بجانب بعضهما، واحدةٌ لي والأخرى لفاطمة التي لم يعد لها وجود في حياتي. ومثل سلوك قهري لا أتفادى النظر إليه كل مرة.
اشتريتُ هذا الكتاب من متجر للكتب اسمه الديوان بجانب مكتبة الإسكندرية، وكنتُ قد وصلتُ للمكتبة مشياً على الأقدام لمسافة ثلاث كيلو مترات من الفندق الذي قضيت فيه أسبوعاً في مصر، وضعتُ الكتاب في حقيبة الظهر لكنه كان ثقيلا للغاية، ثم أمسكتُ بنسخة واحدة، وكنتُ كلما توقفت في مكان، قرأت مقطعاً شعرياً من الكتاب، بعبثية ودون نية للقراءة المستمرة، نسخةٌ واحدةٌ للطريق، ونسخة أحملها فوق ظهري.
جالساً في مكانه يسترقُ خلسةً النظرة تلو الأخرى، يبدو أن صديقه يحدثه باهتمام، لكنه مع ذلك يجد بين الكلمات فرصة للنظر إليّ، عندما بدأت أحسُ بأنه لم يكن ينظر إليّ ببساطة، بل كان يريد شيئاً، صارت نظراتنا تتلاقى بعض الأحيان، هو يصطنع الاهتمام بي، وأنا أحاول اقتناص لحظات فضوله، كان شاباً أبيض البشرة، بلحية خفيفة تشعر أنه لم يبذل جهداً في تصفيفها، تماماً مثلما تقتضي الموضة، لكنني لا أشك بأنه يستخدم لها منتجات باهظة الثمن لتبدو مهملة بصورة طبيعية!
متابعة القراءة “قصة قصيرة: سيكون كل شيء على ما يرام في النهاية.”
ما لشيء الذي اقترفناه لنستحق هذا المصير؟ أقول لنفسي، ما كان ينبغي عليّ أن أعرف ما أريده منك، ومن أي رجل كان، يقتضي الحب شيئاً من الجهل، حين أسد نقصاً ما فيك، وتسد نقصاً فيّ، دون وعي منا، وتنتهي المعادلة على هذا النحو. لكنني لم أكن من النوع الذي يؤمن بحسابات كهذه، أعرفُ ما أريد وأقول ذلك، لأن حياتنا معاً ليست محطة. آمنت دوماً أنني وصلت عندك وهذا كل شيء، وصلتُ إليك، لسنا جسراً، لسنا مشواراً سينتهي عما قريب، لذلك لا أرغب في أن أمتحنك، لا أريد أن تشعر بما أريده من تلقاء نفسك، لا أستطيع إلقاء هذا العبء عليك، خصوصاً وأنني أعرف جيداً، أي الأعباء تلقيها علينا الحياة كل يوم. كنتُ أقول لك بورع، أنني بحاجة للتعاطف والحب، وأنني أفتقد الحنان، وأنني لم أعرف الحضن إلا في الجامعة، وأنني خجلت من كل الأحضان التي تلقيتها أو من توقع الآخرين بأن أحضنهم في الوقت الذي أحسُ فيه بالخجل من هذا القرب، أوشك على الانهيار، وصدرك، صدرك وحده يستطيع أن يجمعني. لكنك بدلاً من ذلك، رأيت أن الحب، يكمن في تفاصيل أخرى، في الإيمان بي، في أن تعرفني حق المعرفة، كنت تُعرف الحب بهذه الأفكار النبيلة، وكنتُ في اللحظة نفسها لا أريد فكرة، بقدر اللمسة، الشيء الواقعي الوحيد، الذي أستطيع به أن أصقل قدماي، اللتان تقفان بعيداً، بعيداً، في أكثر الأوهام ازدهاراً.
أحدث التعليقات